من الذاكرة 11: الرقص الشرقي ثقافتنا

تصر إحدى المنظمات غير الربحية اليابانية على اعتبار الرقص الشرقي من أهم ركائز ثقافتنا العربية. حتى أنها تستخدمه من أجل جمع التبرعات لللاجئين. وقد حدث هذا منذ أشهر حيث اكتشفت عبر الانترنت أن هذه المنظمة تقيم حفل رقص شرقي لجمع التبرعات للأطفال المتضررين من الحرب. فبادرت مع العديد من الأصدقاء المقيمين في اليابان و خارجها بالإعتراض بإرسال رسائل إلى المنظمة لوقف هذه المهزلة.

في الحقيقة لو فكرتُ ملياً بالأمر لوجدتُ أن نبع المشكلة هو نحن وليسوا هم. فهاتان حادثتان في حياتي تلخصان ارتباط الرقص الشرقي بثقافتنا.

الحادثة الأولى حصلت في المغرب حيث كنت بزيارة إلى مدينة الدار البيضاء لحضور مؤتمر عن الإبداع بدعوة من الإتحاد الأوروبي وبالتعاون مع وزارة التعليم المغربية. كان الإخوة المغاربة كرماء معنا في كل شيء. ولكن ما نغص إقامتي وأزعجني هو ما حصل على العشاء في أحد الليالي. دعتنا وزارة التعليم المغربية إلى العشاء في أحد المطاعم الفاخرة والتي لها صبغة مغربية تراثية. كان الجو مريحاً في البداية و الطعام كان لذيذاً جداً. ولكن فجأة بدأت الموسيقى بالعزف تمهيداً لشيء. فسألت أحد الأصدقاء المغاربة عنما سيحدث. فقال لي: بأن راقصة ستدخل بعد قليل. وقفت فجأة و قلت أنا سأعود إلى الفندق قائلاً: كان عليكم أن تخبرونا ببرنامج السهرة كاملاً حتى لا نخدع، أنا لا أحب أن أشاهد رقصاً شرقياً. وخرجت من المطعم فتبعني بعض الزملاء المغاربة يحاولون استرضائي للدخول، خاصة و أن الدعوة هي من قبل وزير التعليم و يمثله معاون الوزير في الحضور. كان أعضاء المؤتمر جلهم من الأجانب وقليل من العرب. وكانت غاية وزارة التعليم عرض الثقافة المغربية من خلال الرقص الشرقي. وبعد أخذ و رد وحتى لا أزعج الإخوة المغاربة أكثر رجعت إلى داخل المطعم وجلست في مكاني و أسندت ظهري واضعاً رأسي إلى الخلف وأغلقت عيني و نمت حوالي الساعة طيلة فترة العرض.

أما الحادثة الثانية فحصلت في مصر وكنت حينها أحضر مؤتمراً لمدرسي اللغة اليابانية يحضره المدرسون من كافة البلدان العربية، بدعوة من سفارة اليابان في القاهرة. وفي أحد أيام المؤتمر وبعد انتهاء ورشات العمل أبلغتنا إحدى الزميلات المصريات و كانت تعمل في مكتب جايكا أن الراقصة دينا ستحيي حفلة عرس هذه الليلة في الفندق الذي كنا نقيم فيه، وكان فندقاً من فئة حمسة نجوم وهو المستوى الذي ترقص فيه دينا. وأعلمتنا أنها تحدثت مع إدارة الفندق و سمحوا لجميع أعضاء مؤتمرنا من يابانيين و عرب بالحضور مجاناً لمشاهدة دينا والتعرف على ثقافتنا. وتمت الترجمة لليابانيين فاستبشروا وفرحوا بأنهم سيحضرون حفلاً لأفضل الراقصات في مصر. وفي الليل تجمعوا عرباً وأجانب للذهاب إلى صالة العرس وطرقوا باب غرفتي ولكني اعتذرت عن الذهاب ونمت. وعندما استيقظت إلى صلاة الفجر سمعت أبواب الغرف المجاورة تغلق فعلمت أنهم رجعوا الآن من حفلة العرس. اجتمعنا لاحقاً في مطعم الفندق على الفطور فسألت موظفة الجايكا المصرية: دينا، ما دينا (ما دينها)؟ فأجابت: دينا دينا (دينها) بوسطها (أي أن خصرها هو دينها).

هذه ثقافتنا فهل ستقوم لنا قائمة؟

أضف تعليق