إكتشاف اليابانيين للشرق الأوسط

عنوان الكتاب باليابانية:日本人の中東発見

عنوان الكتاب بالعربية: اكتشاف اليابانيين للشرق الأوسط

لغة الكتاب: اليابانية

المؤلف: 杉田英明 سوغيتا

فيما يأتي ترجمة لفصل المقدمة فقط وقد تمت الترجمة بناءً على طلب من المركز الإسلامي في اليابان – طوكيو

ترجمة د. أحمد عاصم المنصور

كلمة 中東 Chuutou (الشرق الأوسط) في اللغة اليابانية أخذت أصلاً عن الكلمة الإنكليزية The Middle East، الإصطلاح الذي أصبح شائعاً بكثرة بعد الحرب العالمية الثانية. والمنطقة التي يشملها هذا الإصطلاح ليست محددة بدقة، ولكن في العصر الحديث يطلق على المنطقة التي تمتد من المغرب غرباً إلى أفغانستان شرقاً ومن تركيا، قبرص و آسيا الوسطى شمالاً إلى السودان والصحراء الكبرى و جزيرة العرب جنوباً. هذه المنطقة هي قاعدة حضارة اللغات الثلاثة العربية و الفارسية و التركية. وبقول آخر هي المنطقة التي تشكل عالماً موحداً ذو شخصية قوية و الذي هو نواة العالم الإسلامي.

وهذا الكتاب “اكتشاف اليابانيين للشرق الأوسط” هو محاولة لتقديم مادة تكون وسيطاً بين ذلك العالم (الشرق الأوسط) وبين اليابان من خلال تتبع آثار الإعتراف المتبادل والمباحثات المتبادلة التي تمت منذ القديم بشكل مباشر أو غير مباشر بين اليابانيين و الشرق الأوسط بتعريفه الحديث، بحيث تكون هذه المادة مؤونة لليابانيين في اتصالهم المستقبلي مع ذلك العالم ذو الحضارة المختلفة.

وتعبر كلمة “يابانيين” في العنوان عن القوم الذين بنوا الحضارة التي تستخدم اللغة اليابانية، أي أجدادنا نحن اليابانيون. كما تتضمن كلمة “اليابانيين” المعاصرين. باختصار، فإن العنوان “اكتشاف اليابانيين للشرق الأوسط” يتضمن أولاً تتبع المراحل التاريخية لإعتراف اليابانيين بالشرق الأوسط و اكتشافهم له، و في نفس الوقت يتضمن معنى كيفية مواصلة اكتشاف أو إعادة اكتشاف الشرق الأوسط من قبلنا نحن اليابانيون المعاصرون. ولكن ليس هذا فقط. من جهة أخرى فإن أهل الشرق الأوسط من خلال التاريخ اكتشفوا اليابان و اعترفوا بتا بأشكال مختلفة وكان لهم علاقات متبادلة مع اليابانيين. لذلك فإن اكتشاف ذلك العالم (الشرق الأوسط) من قبلنا نحن اليابانيون المعاصرون يعني أيضاً تتبع اعتراف اؤلئك “أهل الشرق الأوسط” باليابان. وبهذا المعنى فإن عنوان الكتاب “اكتشاف اليابانيين للشرق الأوسط” يتضمن بشكل طبيعي “اكتشاف أهل الشرق الأوسط لليابان”.

كلمة “الشرق الأوسط” هي مصطلح جديد نسبياً، وقد بدأ اليابانيون باستخدامه حديثاً. وقبل ذلك كان المصطلح “تشو كين توو” “中近東” “الشرق الأوسط و القريب” أو مصطلح “نيشي أجيا” “西アジア” “آسيا الغربية”. و لكن ما هو أصل كلمة “الشرق الأوسط” وما دلائلها.

تصور منطقة الشرق الأوسط

كلمة “الشرق الأوسط” في اللغة الإنكليزية يعود تاريخها إلى أوائل القرن العشرين حوالي عام 1902. في ذلك العام كتب الأدميرال فرد ثاير ماهان (1840-1914) Fred Thayer Mahan مؤرخ البحرية الأمريكية في مجلة “ناشيونال ريفيو” “National Review” في عدد الشهر التاسع: أن المنطقة الواسعة التي يتوسطها الخليج الفارسي (العربي) و التي هي بين العرب والهند هي الشرق الأوسط. وفي الشهر العاشر من نفس العام نشرت مجلة التايمز مقالاً كتبه المبعوث الخاص إلى طهران فالنتين تشيروف (1852-1929) Valentine Chirof بعنوان “مشكلة الشرق الأوسط”. وتلك كانت بداية استخدام مصطلح “الشرق الأوسط” من قبل العموم. في ذلك الوقت كان مصطلح الشرق الأوسط يختلف عنما هو عليه في الوقت الحاضر. فبعد نهاية القرن التاسع عشر قسمت أوروبا الشرق إلى منطقتين، المنطقة التي تشمل الدولة العثمانية ودعتها بالشرق القريب “近東” “كين توو” و المنطقة التي تتوسطها الصين و دعتها بالشرق البعيد “極東”. والشرق الأوسط هو المنطقة التي تقع بين المنطقتين، أي منطقة الهند و غربها. بعد ذلك و بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى و تقلص رقعة الدولة العثمانية تقلصت المنطقة التي يطلق عليها الشرق القريب وعلى حسابها توسعت رقعة الشرق الأوسط. خاصة خلال الحرب العالمية الثانية عندما وضعت قوات الحلفاء  غرفة عمليات الشرق الأوسط في القاهرة ووضعت تحت تصرفها المنطقة التي تشمل من شمال أفريقيا إلى إيران ومن سوريا إلى الحبشة وبذلك تأكد مصطلح منطقة الشرق الأوسط بشكله اليوم. و أدى اعتراف الأمم المتحة في عام 1948 بمصطلح الشرق الأوسط و استخدامه رسمياً إلى إشاعة انتشاره بسرعة على الصعيد الدولي. و أصبح اليوم استخدام اصطلاح الشرق القريب مقتصراً على دمجه مع الشرق الأوسط إي مصطلح “الشرق القريب و الأوسط”. وفي هذه الحالة أصبح مدلول الشرق القريب و الأوسط هو الشرق الأوسط بإستثناء شمال أفريقيا بالإضافة إلى منطقة البلقان. و أصبحت كلمة الشرق القريب كلمة قديمة. ونفس الأمر ينطبق على مصطلح آسيا الغربية.

وهكذا فإن مصطلح الشرق الأوسط الذي ولد كأصطلاح سياسي جغرافي ناتج عن احتلال أوروبا للمنطقة أصبح الآن كلمة حيادية وصفية مستخدمة بشكل عام. وشيوع استخدام هذا المصطلح لأنه مناسب و فعال ويعبر عن وحدة المنطقة الحضارية و التاريخية.  من الناحية الجغرافية و البيئية، فإن الشرق الأوسط ينتمي إلى المنطقة نصف الجافة والمجتمع في هذه المنطقة مبني على التواجد المتبادل للمجتمعات الثلاث، المدينة التي هي المركز، مجتمع الزراعة و مجتمع البدو.

وفي الناحية التاريخية،فإن المنطقة هي نفس المنطقة التي انتشر فيها الإسلام وثبت منذ القرن السابع والثامن اميلادي وهي تقابل خريطة الدولة الإسلامية في العهد الأموي بالإضافة إلى الأناضول واستثناء الأندلس.وكنتيجة لذلك وكما أسلفنا من قبل ،فإن المنطقة تألفت من حضارة اللغات الثلاث العربية والفارسية والتركية ومن الناحية الدينية في العديد من الأديان التي تعايشت بسلام في ظل الإسلام الذي هو الدين الشائع في المنطقة. ومن ناحية العلاقات المتبادلة الخارجية فإن أوروبا (الغرب) اعترفت بالشرق الأوسط كمركز أو نواة لمنطقة الشرق؟ أو ذات الحضارة المختلفة والتي كان هناك خطر تأثرها الشديد بالشرق الشيوعي بعد الحرب العالمية الثانية.ويمكن القول بأن الشرق الأوسط أطلق على هذه المنطقة لبنيتها الداخلية وللقيمة الحضارية الأصلية ذات الطابع العام وفي نفس الوقت لعلاقاته الحركية مع العالم الخارجي. من الطبيعي أن تقسم هذه المنطقة _وخاصة بالنسبة للمسلمين_ إلى العالم الذي تم توحيده في ظل الإسلام والذي يدعى بدار الإسلام (؟) وباقي العالم غير الإسلامي والذي يدعى بدار الحرب (؟). وفي أحيانٍ أخرى كان الشعور القومي يسودفتقسم المنطقة إلى عرب وفارسيين وأتراك أو يسود الشعور الوطني فتقسم المنطقة إلى بلاد كمصر وسوريا والعراق. ومع ذلك فإن إصطلاح” الشرق الأوسط “لم يكن مشتركاً على الإطلاق بين سكان المنطقة منذ القديم. والشيء الذي لفت الإنتباه هو أن أهل الشرق الأوسط المعاصرين ترجموا مصطلح الشرق الأوسط كلٌ إلى لغته وأصبحوا يستخدمونه فمثلاً في اللغة العربية ” الشرق الأوسط ” وفي اللغة الفارسية ” ؟ ” وفي اللغة التركية ؟. وكان من المتوقع أن أهل الشرق الأوسط يواجهون هذا الإصطلاح بالإعتراض لأنه وضع من قبل الخارج ولكي لا ينسوا علاقتهم مع أوروبا. ولكن الذي حدث هو العكس فإن أهل الشرق الأوسط قبلوا بهذا الإصطلاح واستخدموه للتعبيرعن الشعور بوحدة هذه المنطقة.واستخدام اليابانيين لإصطلاح الشرق الأوسط يتعلق أيضاً بهذه الظروف . إن الإصطلاح” ؟ ” المحبذ في الوسط العلمي الياباني، هذا الإصطلاح بذاته ذو تأثير جذاب ولكن من الناحية التاريخية والحضارية والبيئية فإنه يختلف عن إصطلاح الشرق الأوسط حيث أنه يشمل القارة الهندية أيضاً.

الشرق الأوسط في اللغة اليابانية

إن المشكلة التي تظهر عند تتبع العلاقات التاريخية بين اليابان والشرق الأوسط هو مرحلة ما قبل ظهور إصطلاح الشرق الأوسط. في الحقيقة كانت هذه العلاقات مع الدول التي تشكل جزء من الشرق الأوسط الآن مثل الدولة الساسانية الفارسية ،الدولة العباسية ،الدولة العثمانية أو مع القوميات مثل العربية ،الفارسية والتركية أو مع العالم الإسلامي الذي يحتوي الشرق الأوسط كجزء منه أو مع شمال أفريقيا أو آسيا الوسطى. ولا داع لتكرار القول بأن هذه المنطقة تنتمي إلى المنطقة البعيدة جداً عن اليابانيين أو بتعبير آخر، المنطقة التي ليس لها أي مدلول في شعور اليابانيين. وكما يدل اسم المنطقة “الشرق الأوسط” أي شرق أوروبا، فإن هذه المنطقة كان لها علاقات مباشرة و معقدة مع أوروبا. وبالمقابل فإن علاقة اليابان المباشرة مع الشرق الأوسط لم تكن تظهر إلا بشكل نادر. بالنسبة لليابانيين فإن الإهتمام الإقتصادي والسياسي والحضاري كانوا في القديم مقتصرين على المنطقة الصينية (توو يوو 東洋) منطقة الشرق ومنطقة الجنوب (نان يو) منطقة جنوب غرب آسيا وفي العهد الحديث على المنطقة الغربية (سيه يو 西洋) منطقة أوروبا و أمريكا، والمنطقة الشمالية (هوكو يوو 北洋) منطقة روسيا. أما المنطقة التي تقع بين هذه المناطق (تشو يوو 中洋) منطقة الوسط فإنها كانت لفترة طويلة خارج منطقة اعتبار اليابانيين. إضافة لذلك فإن منطقة الهند التي هي في الوسط نفسها كانت منذ القديم مصدراً للديانة البوذية وكانت المعيار الذي يطمح إليه ولكنها في نفس الوقت كانت تقف عازلاً بين الشرق الأوسط و اليابان. ولكن بإعادة النظر الدقيقة نجد أن العلاقات بين الشرق الأوسط واليابان موجودة بشكل غير متوقع، علماً أن آثار زحف حضارة الشرق الأوسط إلى اليابان لا تظهر على السطح. ويدل على هذا كثرة الكلمات المستعملة في اللغة اليابانية والتي أصلها من الشرق الأوسط. يبين الجدول الأول الكلمات التي أصلها من الشرق الأوسط وهي مقسمة إلى ثلاثة مجموعات.

المجموعة الأولى وهي الكلمات الفارسية (البهلوية) والتي دخلت بواسطة اللغة الصينية والتي يرجع تاريخها إلى عهد نارا وعهد هيان وهي أقدم الكلمات تاريخياً. من بين هذه الكلمات كلمة 獅子 شي شي وتعني أسد، 葡萄 بدوو وتعني عنب، 琵琶 بيوا وهي أداة موسيقية، 無花果 إيتشي جيكو وتعني تين، ها تان كيوو وتعني لوز، وأشياء أخرى كمسميات النباتات و الحيوانات والآلات الموسيقية و البلاد مثل ها شي وتعني بلاد الفرس، 大食 داي شي و تعني بلاد العرب، 安息 أن صوكو وتعني بلاد البلطيق، وأسماء القوميات ومسميات المواد الطبية. من بين هذه فإن みつだそう ميتسو داسوو هو اسم للموحة زيتية رسمت بألوان صنعت من فلز يدعى “الحجر الميت” وهذا كان معروفاً في بلاد فارس. ومن المعروف في تاريخ الفن أن هذا النوع من الرسم قد استخدم في لوحة اسمها “Tamamushinozushi” وهي موجودة في معبد هوريوجي. أما かりろく كاري روكو فهي اسم لشجرة أصلها من الهند تدعة بالفارسية Halila هاليلا وتم نقل الشجرة إلى اليابان لأول مرة بواسطة الكاهن 鑑真 غان جين (688-763) وهو أعمى. وثمار هذه الشجرة كانت هامة جداً و تستخدم لعلاج أمراض العين، السعال و أمراض المعدة. وأما ていやく تيه ياكو، فهي كلمة يرجع أصلها إلى اليونانية وهي مادة مصنوعة من سم الافاعي وتنفع كمادة مضادة لسم الافاعي “ترياق” وكانت منتشرة جداً في العالم الإسلامي و أوروبا على أنها دواء ينفع لكل داء. وهذه المادة جاءت إلى اليابان مع علم المداواة بالأعشاب في عهد هيان و بعد ذلك جاءت مرة أخرى عن طريق الهولنديين وهي دواء ذو قيمة كبيرة في تاريخ العلاقات بين الشرق و الغرب.

والمجموعة الثانية فهي الكلمات المتعلقة بالأشياء والأمور التي نقلها البرتغاليون والإسبان و الهولنديون إلى اليابان في عهد السفن الكبرى أي الفترة بين عهد “أزوتشي مومو ياما” إلى نهاية عهد “إيدو” وبداية عهد “ميجي”. ومن بينها كلمة “إيسوتاراهي” وهي اسم الإسطرلاب الذي كان مستعملاً لمراقبة السماء وقياسات الفلك. وبدأت فكرة هذه الآلة الميكانيكية في اليونان ثم جعلها المسلمون حقيقة ووسعوا انتشارها ثم وصلت إلى أوروبا وساهمت في تقدم بناء السفن الكبرى ثم جاءت إلى اليابان مع المهارة الأوروبية في البحار. وكلمة 蘭引 رانبيكي هي أيضاً آلة تستعمل لصناعة العطور و الأدوية (المواد الكيميائية) وهي ذات اصل يوناني وتم تطويرها في العهد الإسلامي ثم انتشرت في أوروبا. وكلمة رانبيكي ليست ذات معنى في اليونانية وإنما جاءت تقليداً لاسم الآلة وهو الإنبيق. وجاءت هذه الآلة إلى اليابان في عهد توكوغاوا مع العلوم التي جاءت من هولندا. وكلمة “しゃりべつ” وهي سيروب وأصلها شربات وقد جاءت إلى اليابان كجزء من العلوم الهولندية و تعني دواء، وذلك في نهاية عهد إيدو. ومسميات الاشياء المستخدمة في هذا العهد كالمأكولات و المشروبات، أروهيه توو あるへいとう الحلوى، أراكيあらき العرق، كووهي コーヒー القهوة و الأدوية، صوودا ソーダ صودا، أروكووروアルコール  الكحول، أروكاريアルカリ القلوي، سافوران さふらんالزعفران والملابس جوبان ジュバン جبة، والأدوات じょろ جرة، راكيتتو ラケット راحة ، إلخ من مسميات المواد المستخدمة في كل المجالات والتي أصلها عربي وهي أكثر من الكلمات الفارسية تدل على الأثر الكبير للحضارة العربية في اليابان.

أما المجموعة الثالثة فهي الكلمات التي جاءت في نهاية عهد إيدو وبداية عهد ميجي عن طريق اللغة الفرنسية واللغة الإنكليزية و أصبحت كلمات يابانية وهي كلمات مألوفة لدينا نحن اليابانيون اليوم. وأحد ميزات هذا العهد بأنه ليس الكلمات العربية و الفارسية فحسب ولكن في القرن السادس عشر ومابعد عند ازدهار الإمبراطورية العثمانية فإنه تم إدخال الكلمات ذات الاصل التركي.  ويعبر العدد الكبير من أسماء البروج في اللغة اليابانية والتي لها أصل عربي، عن انتقال هذا العلم وقبوله لدى اليابانيين وذلك عن طريق أوروبا التي جاءها عن طريق بلاد الإسلام وذلك في العصور الوسطى. وليس من المبالغ فيه أن نقول بأن كلمة كل كلمة موجودة في هذا السياق لها خلفية تاريخية طويلة. ويدل عدم وجود كلمات في اللغة اليابانية جاءت بشكل من اللغتين العربية و الفارسية، على أنه منذ القديم كان هناك وسيطاً بين اليابان و الشرق الأوسط و هذا الوسيط هو إما الصين أو أوروبا. ولهذا يمكن القول بأن الإتصالات بين الطرفين (الشرق الأوسط و اليابان) كانت جميعهاذات طبيعة غير مباشرة. و الحقيقة أن هذه الكلمات أو مسميات الأشياء ذات الاصل الشرق أوسطي عندما أتت إلى اليابان وبدأ اليابانيون باستخدامها لم يكن لديهم أي شعور بأن هذه الكلمات من أصل شرق أوسطي. و إذا استثنينا الكلمات الخاصة مثل كلمة “جودو” فإن الكلمات ذات الاصل الياباني لم تدخل إلى لغات الشرق الأوسط حتى وقت متأخر وهذا يدل على أن انتقال الحضارة كان وحيد الإتجاه أي من الغرب إلى الشرق فقط. و إذا أعدنا النظر بالعين المعاصرة نجد أن كنتيجة، فإن اليابان لها صلة بعالم الشرق الأوسط عن طريق هذه الكلمات و الأشياء. ومع الزمن لم يقتصر الأمر على الكلمات و مسميات الأشياء بل زادت الفرصة لانتقال الأساطير، القصص، الروايات، الخيال الأدبي و الخيال الفني. كما زاد حجم المعرفة المتبادلة و المعلومات وخاصة في العصر الحديث حيث أن معدل الإتصالات البشرية زاد بشكل ملحوظ.

الشرق الأوسط كوسيط بين اليابان و العالم

وهنا فإني أريد عرض هذه الحقائق بشكل هام ووضعها في إطار العلاقات المتبادلة بين الشرق الأوسط و اليابان في إطار تاريخ الحضارة المقارن.  وكما هو موضح في الفهرس فإن الكتاب يتألف من ثلاث فصول. وهذه الفصول لا تتحدث عن التاريخ بتفصيل الأحداث وتسلسلها كما أنه ليس مختصراً كقصة قصيرة، ولكنه يهدف إلى البحث عن أصل نظرة اليابانيين إلى الشرق الأوسط ونظرة أهل الشرق الأوسط إلى اليابان عن طريق الإعتراف المتبادل في مجال الجغرافيا، التاريخ، الدين، والآداب.

فالموضوع الرئيسي في الفصل الأول هو المباحثات المتبادلة في ما قبل العصر الحاضر وأما الفصل الثاني و الثالث فموضوعهما هو نظرة اليابانيين إلى الشرق الأوسط ونظرة الشرق الأوسط إلى اليابانيين في العصر الحديث.

ومن خلال هذه الفصول، فإنه أثناء اكتشاف القرب غير المتوقع بين اليابان و الشرق الأوسط، أحاول خلق الشعور بالتغير الكبير في تاريخ العالم المتعارف عليه وذلك بوضع الشرق الأوسط في مجال الرؤية.

كتب ميناميكاتا كوماكوسو (1867-1941) بحثاً باللغة الإنكليزية عام 1903 عنوانه “اكتشاف اليابان”، جاء فيه أثناء تقديم العلاقات المتبادلة بين اليابان و الشرق الأوسط في ما قبل الوقت الحاضر: “من المؤكد أن العرب في العصور الوسطى عرفوا اليابان وذلك قبل ماركوبولو بفترة طويلة”. وبذلك طعن في النظرية القائلة بأن ماركوبولو هو أول من قدم اليابان إلى أوروبا “اكتشاف الأوروبيين لليابان”. وحاول أن يقول أن ذلك تم نسبياً بواسطة الشرق الأوسط. وفي الوقت الحاضر وبالنظر الدقيق فإننا نجد أو الدلائل التي قدمها ميناميكاتا ينقصها الدقة، ولكن من المؤكد أن تلك النظرة التي قدمها منذ قرن تقريباً ذات أثر فعلا بالنسبة لنا نحن اليابانيون المعاصرون.

من المؤكد أنه لإتمام هذا العمل، فإنه في مثل هذا الكتاب و أثناء متابعة المباحثات و الإعتراف المتبادلين، فإنه على التوازي يجب دراسة الأشياء، الكلمات، القصص، الأساطير، العادات، الأدب، والفن كل على حدى كموضوع رئيسي. لذلك فإن الأجزاء التي لم أفصلها في هذا الكتاب كنت قد درستها من قبل في أبحاث أخرى أو هناك مخطط لدراستها في أبحاث لاحقة. ولهذا فإني أريد التأكيد بأن الأبحاث الرئيسية ذات طبيعة يدعم بعضها الآخر.

ويعود اهتمامي بهذا الموضوع إلى ما قبل عشر سنوات من الآن عندما سنحت لي فرصة للدراسة في الشرق الأوسط، و هناك لفت انتباهي نظرة المصريين المعاصرين لليابانيين، ولذلك بدأت بشراء بعض الكتب و المراجع و قراءتها. ومن الغريب أنه بعد عودتي إلى اليابان زاد اهتمامي باليابان أكثر بكثير مما قبل و توسعت دائرة اهتمامي فلم تقتصر على نظرة المصريين لليابان بل تعدتها للبحث عن زظرة العرب، الإيرانيين، الأتراك (الدولة العثمانية) لليابان.

واطلعت على أبحاث مايه جيما نوبوتسوغو Maejima Nobutsugu و إيزوتسو توشيهيكو Izutsu Toshihiko عن الشرق الأوسط وتطورت عملية البحث هذه إلى الرجوع إلى عهد توكوغاوا والعصور الوسطى وذلك بتتبع أبحاث اليابانيين عن الشرق الأوسط، و بتعبير آخر، اعتراف اليابانيين بالشرق الأوسط. وقد تعمق اهتمامي بالأبحاث آنفة الذكر وذلك لتعلقها بهذا الأمر (أي نظرة أهل الشرق إلى اليابان).

وإذا أعدت الذاكرة قليلاً، فإني أثناء مراحل اكتشافي للشرق الأوسط فإني أستطيع القول بأنها كانت تجربة ساعدتني على إعادة اكتشاف اليابان الذاتي. وقد كتبت في هذا الكتاب جزءاً من هذا الإكتشاف.

والمراجع التي عالجت العلاقات بين الشرق الأوسط و اليابان متعددة، فمنها الكتاب التاريخي الشامل الذي كتبه كوباياشي غن في عام 1940 بعنوان:

Nihon to Kaikyo Ken No Bunka Koryu Shi – Meiji Izen Ni Okeru Nihonjin No Kaikyo Oyobi Kaikyo Ken Chishiki.

“تاريخ التبادل الحضاري بين البلاد الإسالمية و اليابان – معرفة اليابانيين للإسلام وبلاد الإسلام ما قبل عهد ميجي”.

ومنها، الفهرس الحديث الذي جمع عام 1992 تحت عنوان:

Nihon Ni Okeru Chuto Isuramu Kenkyu Bunka Mokuroku 1868-1988

“سجل أبحاث اليابانيين عن الشرق الأوسط و الإسلام من عام 1868 إلى عام 1988”.

وكانت طريقة عرض الكتاب هي الإعتماد على مثل هذه الأبحاث و المراجع لاستخلاص المادة و من ثم وضع النص الأصلي و تفسيره كأساس لبناء الصورة الكاملة. وكما هو موضع في المراجع، فإن النصوص المأخوذة من المراجع اليابانية القديمة تم إعادة كتابتها بالطريقة اليابانية الحديثة. أما الشعر و النثر المكتوبان بالأحرف الصينية فقط فإنه تم إدخال الأحرف الأبجدية اليابانية لتسهيل قراءتها. و أما الشعر المكتوب بالعربية أو الفارسية فإنه تمت كتابته بالأحرف اللاتينية مباشرة لأن طريقة فراءة هاتين اللغتين هي بذاتها تحوي تفسيراً.

وكل أملي أن يكون الكتاب مؤونة أبدية “اكتشاف اليابانيين للشرق الأوسط” وأن يتجاوز إطار تجربتي الشخصية ف “اكتشاف الشرق الأوسط”.

4 آراء حول “إكتشاف اليابانيين للشرق الأوسط

  1. شكراًَ على مشاركة الترجمة على المدونة الخاصة بك هنا، لقد قرأت الجزء الأكبر من المقدمة وسأعود لمتابعة الجزء المتبقي في وقت آخر ..

  2. سؤال استفساري د. أحمد ..
    هل هناك نية لترجمة الكتاب إلى العربية او إصدار نسخة عربية قريباً في حال كانت غير متوفرة حالياً.. وإن كان هناك نسخة بالعربية فهلا أخبرتني بدار الطباعة التي تقوم بطباعتها حتى يتسنى لي شرائها ولك جزيل الشكر على تعاونك وكذلك مشاركتك لترجمة مقدمة الكتاب

    1. عزيزي أسعد: يسعدني دائماً تفاعلك و اطلاعك على مدونتي. للاسف لم نترجم الكتاب كاملاً وليس هناك نية للترجمة. كانت الفكرة التي طلبها المركز الإسلامي في طوكيو إذا ذاك تتمثل في معرفة محتوى الكتاب و توجه الكاتب وقد عرفنا ذلك من المقدمة لذلك لم نكمل.

اترك رداً على abuasem إلغاء الرد